واقع التواصل الاجتماعي..هل هي بداية النهاية لعصر الصحافة المهنية؟
دور لا يمكن تجاهله
عبد الرزاق مرابط، الصحافي بقسم الإعلام الجديد في قناة الجزيرة والمشرف على صفحتي القناة على "تويتر" و"فيس بوك"، رأى أن وسائل التواصل الاجتماعي فرضت نفسها منافسا جديا لوسائل الإعلام التقليدي التي بدت - في وقت ما- وكأنها أخذت على حين غرة من هذا التغيير السريع ، ولم تكن جاهزة للتعامل مع هذه الظاهرة الجديدة. وأضاف : التعامل مع وسائل الإعلامي الاجتماعي "شر لا بد منه"، ورغم ما يطرحه الاعتماد عليها من اشكاليات تتعلق بمدى الالتزام بضوابط وأخلاقيات مهنة الصحافة، إلا إن وسائل الإعلام التقليدية وجدت نفسها مجبرة على تقبلها والتعامل معها ثم تبنيها، فقد لعبت تلك الوسائل دورا لا يمكن تجاهله في نشر الأخبار وتبادل المعلومات متجاوزة بذلك "مقص" الرقابة التي تمارسها العديد من الحكومات على وسائل الإعلام التقليدي، وخير مثال على ذلك الدور الذي لعبه "فيس بوك" و"تويتر" وحتى "يوتيوب" في نقل أحداث الثورات التي اندلعت في بعض البلدان العربية والتي أفرزت ما أصبح يعرف بالربيع العربي".
وأكد مرابط أنه في الوقت الذي تمكنت فيه حكومات هذه البلدان من فرض رقابة مشددة على وسائل الإعلام التقليدية وعملت جاهدة على التعتيم على ما يحدث داخل بلدانها، فشلت في كبح جماح وسائل الإعلام الاجتماعي وكان النشطاء ينقلون الصور والفيديوهات والأخبار عبرها وهو ما أبقى على جذوة تلك الثورات مشتعلة بعد أن تلقفت وسائل الإعلام التقليدية هذه الأخبار واعتمدتها مصدرا لا غنى عنه....أما محمد سيدي ، صحافي بقناة الجزيرة وناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، فرأى أن تلك المواقع أحدثت مفهوما جديدا في الإعلام ، ولعبت دورا كبيرا في وصول الأخبار إلى الناس بسرعة وسهولة، إلا أنه بيّن أنه يجب أن ينظر لدور مواقع التواصل الاجتماعي كوسائل إعلامية بقدر كبير من الحذر، أولا لصعوبة التأكد من صدقية ما ينشر عليها من معلومات، وثانيا لسهولة استخدامها وكونها متاحة أمام الجميع (مهنيين وهواة).
ليست وسائل إعلام..!
الصحافي محمد كيالي، محلل في قسم الإنترنت، قطاع الإعلام الجديد في شبكة الجزيرة، أكد أن وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن اعتبارها حتى الآن وسائل إعلام بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة نظرا لعدة اعتبارات .
وقال : هناك مشكلة أساسية في تقديم وسائل التواصل الاجتماعي على أنها وسائل إعلام نظراً للتداخل الكبير بين فكرة الإعلام ، من حيث نقل الأخبار ونشرها، وبين نقل الأخبار الشخصية..وطبعاً، يمكن اعتبار ما يسمى "وسائل الإعلام الاجتماعي" كأحد المصادر الخبرية المهمة والواجب على الصحافيين وناقلي الخبر الاطلاع عليها لما قد تحمله من قيمة في بعض الأحيان، لكن هذا لا يعني أبداً أنها تعتبر مصدرا معتمدا للأخبار.
وتابع : لذلك أعتقد أن المقارنة بين وسائل الإعلام الاجتماعي أو مايعرف بالشبكات الإجتماعية بما تقدمه من طرق نشر و"شخصية" ربما في النشر وبين الصحافة كمهنة هو أمر خاطئ كلياً. شتان مابين مهنة الصحافة وماتفرضه على الصحافي من بحث وتدقيق ومتابعة ، وبين فكرة نشر التحديثات الشخصية بين الأصدقاء حتى ولو اتخذ بعضها صفة "الأخبار".
نفس الرأي أيضا ذهب إليه محمد سيدي ، الذي أكد ضرورة التفريق بين استخدام هذه المواقع كوسائل مساندة للعمل، وبين اعتبارها مؤسسات صحافية أو وسائل إعلام ، فما حدث هو أن بعض الأشخاص استغلوا التطور التقني الهائل وقاموا بنقل ما يجري حولهم من أحداث ومشاركتها مع الآخرين، كما أن التعتيم الذي تفرضه بعض الدول والرقابة على الإعلام دفع بعض المؤسسات الإعلامية للتعامل مع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ومنحهم صفة "صحافيين" واستخدامهم لنقل الأخبار في المناطق التي يعجز الصحافيون المهنيون عن الوصول إليها، وهو ما يبدو جليا في الثورة السورية وما سبقها من ثورات الربيع العربي ، لذلك يمكن اعتبار ثورات الربيع العربي المنعرج الكبير في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي.. وقال : "لكن مهما يكن الدور الذي تقوم به، وهو دور مقدر لا محالة، إلا أنه لا يمكن اعتبارها وسائل إعلام بالمفهوم التقليدي لهذه الكلمة".
انعكاس لتطور تقني..لا أكثر
محمد كيالي يذهب أبعد من ذلك عندما يعتبر أن الشبكات الاجتماعية والمدونات هي مجرد انعكاس لتطور تقني في إتاحة إمكانية النشر للجميع على مستوى شخصي سواء أكان هذا بحساب الشبكة الاجتماعية كـ "تويتر" أو "فيس بوك" أو عبر امتلاك موقع ويب سهل الإدارة كالمدونة، وهذا الانعكاس لايعني إلا زيادة في كم المحتوى المنتج واعتباره مصدرأً محتملاً للمعلومات التي تحتمل الخطأ أو الصواب أو عدم الفائدة أساساً.
ويقول : هذا التطور التكنولوجي سمح للجميع بالنشر وفي هذا إيجابية كبيرة، كونه سمح لكثيرين في نقل مايرديون كما يريدون وإتاحة الفرصة الشخصية لهم في نقل معلوماتهم لجمهور الإنترنت.
نقاط القوة..ومواطن الضعف
يعتقد عبد الرزاق مرابط أن "الإعلام الاجتماعي" حقق طفرة كبيرة في سرعة وصول المعلومة إلى الناس ، واعتمده الكثيرون مصدرا للأخبار.
وقال : وسائل التواصل الاجتماعي لها نقاط قوة كثيرة إلا أن نقاط الضعف تبدو أكثر من نقاط القوة ..نقاط قوة "وسائل الإعلام الاجتماعي" تتمثل بشكل خاص في سرعة نقل المعلومة ووصولها إلى عدد كبير من الجمهور الذي لا يملك الوقت لقراءة الصحف أو مشاهدة التلفزيون، كما أنها تساهم في تحفيز المواطنين العاديين على خوض غمار العمل الصحافي في أماكن قد يتعذر على الصحافي المحترف الوصول إليها، وهناك نقطة قوة أخرى مهمة تتمثل في قدرة وسائل الإعلام الاجتماعي على تجاوز الرقابة المشددة التي تفرضها الحكومات في بعض البلدان على وسائل الإعلام التقليدي.
وتابع : أما نقاط ضعفها فتتمثل في غياب المهنية وعدم الالتزام بالضوابط الصحافية مما يلقي بظلال من الشك على مصداقيتها، وهناك أمثلة كثيرة عن أخبار جرى تداولها على "تويتر" أو "فيس بوك" وانتشرت بسرعة البرق في أنحاء العالم ليثبت بعد ذلك عدم صحتها، مثل أخبار عن وفاة بعض المشاهير أو استقالات بعض السياسيين، أو تداول مشاهد فيديو وصر مفبركة..وهناك نقطة ضعف أخرى تتمثل في امكانية تعرض الحسابات إلى الاختراق والقرصنة وسرقة المعلومات الخاصة وكلمات السر، وهو ما حدث لموقع "تويتر" منذ فترة قصيرة ، حيث اعترفت إدارته أن أكثر من 250 ألف حساب قد تعرض للاختراق وسرقة كلمات السر للمستخدمين.
تهديد عرش الصحافة المهنية..مجرد كلام
استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع وما تتميز به من سرعة في نشر الخبر جعل الكثيرين يبشرون ببداية أفول نجم "الصحافة التقليدية" ، خصوصا أن اللغة في وسائل التواصل الاجتماعي تكون سهلة الفهم وبسيطة ، كما أن الخبر فيها يكون مركزا ومختصرا.
لكن محمد سيدي يرى أن الحديث عن تهديد "وسائل التواصل الاجتماعي لعرش الصحافة المهنية هو في الواقع قول سابق لأوانه. مضيفا : "هذه المواقع في أفضل الحالات مجرد وسائل تدعم عمل الصحافة المهنية، ولا تهددها – في المستقبل المنظور على الأقل- ولعل هذا ما فطنت إليه أغلب المؤسسات الإعلامية التي باتت تولي اهتماما أكبر بمواقع التواصل الاجتماعية للوصول إلى شريحة أكبر من المتلقين في المقام الأول، ولاستقاء بعض القصص الإخبارية المحدودة، خاصة في المناطق التي لا يمكن أن يصل إليها مراسلو هذه المؤسسات.
وبدوره قال مرابط : كثر الجدل واختلفت الآراء حول مدى تهديد هذه الوسائل الجديدة لعرش الصحافة المهنية، فمن محذر من خطورتها وداع إلى التعامل معها بحذر، إلى مؤيد ومبشر بها منافسا جديا للإعلام التقليدي. وفي اعتقادي، فإنه وعلى المدى القريب والمتوسط لن تتمكن هذه المواقع من زحزحة الإعلام المهني عن مكانته لأن قطاعا كبيرا من القراء والمشاهدين لا يزالون يعتمدون على الصحف والقنوات الإخبارية والإذاعات لاستقاء المعلومات بسبب جهلهم بكيفية استعمال وسائل التواصل الاجتماعي أو حذرهم منها.
وتابع : إضافة إلى ذلك، ما تزال هذه الوسائل الجديدة غير قادرة عن مجاراة الصحافة المهنية في ما يتعلق بالالتزام بمعايير المهنية والحياد والدقة، كما أن كبريات الصحف وشبكات الأخبار التلفزيونية تبنت هذه الوسائل واستوعبتها لتكون وسيلة للوصول إلى قطاع كبير من الجمهور وذلك من خلال فتح حسابات لها على الفيس بوك وتويتر، وتشجيعها للمواطنين العاديين ليكونوا مصدرا إضافيا للمعلومات وهو ما أنتج ظهور ما يعرف بالمواطن الصحافي. وقد نجت بذلك في جعل وسائل التواصل الاجتماعي متمما لها عوضا أن تكون منافسا أو بديلا عنها.
محمد كيالي هو الآخر يرى أن قوة الشبكات الاجتماعية تكمن في سرعة النشر وسرعة التأكيد الممكنة مقارنة بالعملية الروتينية في الصحافة التقليدية.
وبخصوص مستقبل وسائل الإعلام الاجتماعي ، رأى مرابط أنه يعتمد على مدى قدرتها على التأقلم والتكيف مع التغير التكنلوجي السريع وعلى مدى التزامها بحد ادنى من معايير العمل الصحفاي المحترف..وفي غياب ذلك قد تفقد هذه الوسائل مصداقيتها وبالتالي جمهورها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق